“ما هو المستقبل الذي تتطلعين لقدومه؟” أضاء وجهها بابتسامة صغيرة وقالت: “أتطلّع للمستقبل الذي سأعود به للعيش في بيتنا الصغير في القرية في سوريا..” هكذا أجابت وعد، فتاة عمرها 18 سنة من مخيّم الزعتري في مقابلة لها عن تجربتها في العيش في المخيم.
قامت منظمة HOME Storytellers من المكسيك بتوثيق حياة سفيرة نحن نحبّ القراءة أسماء الراشد في المخيّم حيث أنها أصبحت رائدة أعمال مجتمعية ومعروفة على مستوى المخيّم والعالم. تقوم منظمة HOME Storytellers بإيجاد قصص لاجئين ملهمة حول العالم ويسلّطوا الضوء عليها لإيصال صوت الأشخاص الذين عانوا من التهجير إلى صانعي القرار ولكن بطريقة ابداعية معتمدين على انتاج الأفلام الوثائقية عن حياتهم. قامت مؤسسة القلب الكبير بتمويلهم ليجدوا قصة من الوطن العربي لتوثيقها وهم بدورهم وجدوا برنامج نحن نحبّ القراءة وبعد عدة لقاءات اتفقنا على توثيق قصة أسماء الراشد التي توضّح بشكل كبير أثر نحن نحبّ القراءة على سفيرة القراءة والأطفال والمجتمع من حولها.
ككل اللاجئين السوريين، عانت أسماء وأسرتها من ظلمات الحرب، جاءت من درعا في بداية الأحداث حيث كانت قوّات النظام تقصف بلدتهم. غادرت بعد عناء طويل وقالت لنا توصف وصولها إلى الحدود: “عندما عبرنا الشيك، شعرت بأمان لم أشعر به منذ فترة طويلة، تجمّع الكثير من الناس في مكان لنكمل الطريق سيرًا على الأقدام، كانت الناس متعبة ومبعثرة على حافة الطريق ومنهم من يطلب الماء ليروي عطشه ومنهم من ارتمى على الأرض من شدة التعب وبدأت الناس تشعر أنها أصبحت في بر الأمان وبدأ الجيش الأردني يشرف على دخولنا.” ووصلوا إلى المخيّم حيث ناموا بخيمة الاستقبال الكبيرة، تصف لنا أم أسماء تلك الليلة وتقول: “شعرت وكأنني مولودة للتو، لم أصدق أنني وأخيرًا بأمان”. وبعد فترة قصيرة بدأت المنظمات بالعمل داخل المخيّم وتحسّنت ظروف المخيّم بشكل عام.
سمعت أسماء الراشد عن تدريب للقراءة في المخيم، ولم تكن تعلم أنه أول تدريب لنحن نحبّ القراءة في الزعتري. وكانت خائفة من أن لا يقبلها القائمون على التدريب لأنها لم تكمل تعليمها وتفاجأت بأنه كان مرحب بها. أخذت حقيبة التدريب وكانت تشعر أنها تمتلك العالم. تصف أسماء شعورها وتقول: “دخلت إلى المركز وشعرت بالخجل لأنني لا أحمل شهادة دراسية ولكن عندما بدأ التدريب لم يكن لذلك وزن، وكنت أسرح في خيالي مع كل كلمة تقولها الدكتورة رنا أثناء التدريب… كان من أجمل أيام حياتي. أخبرتنا الدكتورة أننا قادرين أن نغيّر أنفسنا عن طريق القراءة وأن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم…فحزمت أمري وقررت التغيير لننهض بغدٍ جميل وقررت أن أساعد الأطفال لنصنع شباب أقوياء وننهض ببلد جديدة وجميلة، ولن أسمح لمعيشة المخيّم أن تُأثر بشكل سلبي عليّ أو عليهم.. هذا التدريب أعطاني قوة خفية، وكأنه جاء ليضع ضمادًا على جرح عميق!”
ولم تتوقّف بعدها، بدأت بعقد جلسات القراءة للأطفال وعُرفت على مستوى المخيّم. وبدأت بعقد أنشطة أخرى للأطفال وللفتيات المراهقات ليقرأوا معًا كتبًا تساعدهم على تخيّل مستقبل مشرق وغرس القدرة على التغيير في نفوسهم. ومع الوقت بدأت قصّتها تنتشر حول العالم، مُلهمة بذلك أشخاصًا آخرين ليؤمنوا بقدرتهم على التغيير..
والآن وبعد مرور أكثر من ست سنوات، يتم توثيق قصتها عن طريق الوثائقي الذي تضمّن جزئين: جزءعن أثر نحن نحبّ القراءة على أسماء وماضيها وجزء عن مبادرة أسماء للقراءة مع الفتيات اليافعات وأثرها عليهنّ. تضمّن الوثائقي مشاهد من حياتها اليومية مع أطفالها وزوجها فادي ومشاهد من جلساتها مع الفتيات اليافعات وقراءتها معهم لكتاب “مميّز بالأصفر” ومشاركتهن لمشاعرهن وأفكارهن. بعض الفتيات اللاتي شاركن في جلساتها هذه المرة، كنّ طفلات يحضرن جلساتها للقراءة. وتحاول أسماء أن تجعلنهن يؤمنّ بأن دورهن في تغيير المجتمع مهم، وأن حياتهن لا تنتهي بالزواج وإنما تبدأ بمرحلة جديدة وتستيقظ معها أحلام أخرى أيضًا لا تنفصل عن جعل العالم مكانًا أفضل للجميع.
سيتم إنتاج الجزء الأول من الوثائقي في شهر أيلول والجزء الثاني في تشرين الثاني، فترقّبوا…